سورة مريم - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} قرأ أبو جعفر ونافع وحمزة والكسائي وحفص: {مِنْ تَحْتِهَا} بكسر الميم والتاء، يعني جبريل عليه السلام، وكانت مريم على أكمة وجبريل وراء الأكمة تحتها فناداها.
وقرأ الآخرون بفتح الميم والتاء، وأراد جبريل عليه السلام أيضا، ناداها من سفح الجبل.
وقيل: هو عيسى لما خرج من بطن أمه ناداها: {أَلا تَحْزَنِي} وهو قول مجاهد والحسن.
والأول قول ابن عباس رضي الله عنهما والسدي وقتادة والضحاك وجماعة: أن المنادي كان جبريل لما سمع كلامها وعرف جزعها ناداها ألا تحزني.
{قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} والسري: النهر الصغير.
وقيل: تحتك أي جعله الله تحت أمرك إن أمرتيه أن يجري جرى، وإن أمرتيه بالإمساك أمسك.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ضرب جبريل عليه السلام- ويقال: ضرب عيسى عليه الصلاة والسلام- برجله الأرض فظهرت عين ماء عذب وجرى.
وقيل: كان هناك نهر يابس أجرى الله سبحانه وتعالى فيه الماء وحييت النخلة اليابسة، فأورقت وأثمرت وأرطبت.
وقال الحسن: {تحتك سريا} يعني: عيسى وكان والله عبدا سريا، يعني: رفيعا.


{وَهُزِّي إِلَيْكِ} يعني قيل لمريم: حركي {بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} تقول العرب: هزه وهز به، كما يقول: حز رأسه وحز برأسه، وأمدد الحبل وأمدد به، {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ} القراءة المعروفة بفتح التاء والقاف وتشديد السين، أي: تتساقط، فأدغمت إحدى التاءين في السين أي: تسقط عليك النخلة رطبا، وخفف حمزة السين وحذف التاء التي أدغمها غيره.
وقرأ حفص بضم التاء وكسر القاف خفيف على وزن تفاعل. وتساقط بمعنى أسقط، والتأنيث لأجل النخلة.
وقرأ يعقوب: {يساقط} بالياء مشددة ردة إلى الجذع.
{رُطَبًا جَنِيًّا} مجنيا. وقيل: الجني هو الذي بلغ الغاية، وجاء أوان اجتنائه. قال الربيع بن خثيم: ما للنفساء عندي خير من الرطب، ولا للمريض خير من العسل. قوله سبحانه وتعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي} أي: فكلي يا مريم من الرطب، واشربي من ماء النهر {وَقَرِّي عَيْنًا} أي: طيبي نفسا. وقيل: قري عينك بولدك عيسى. يقال: أقر الله عينك أي: صادف فؤادك ما يرضيك، فتقر عينك من النظر إلى غيره. وقيل: أقر الله عينه: يعني أنامها، يقال: قر يقر إذا سكن.
وقيل: إن العين إذا بكت من السرور فالدمع بارد، وإذا بكت من الحزن فالدمع يكون حارا، فمن هذا قيل: أقر الله عينه وأسخن الله عينه.
{فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} أي: تري، فدخل عليه نون التأكيد فكسرت الياء لالتقاء الساكنين.
معناه: فإما ترين من البشر أحدا فيسألك عن ولدك {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أي: صمتا وكذلك كان يقرأ ابن مسعود رضي الله عنه.
والصوم في اللغة الإمساك عن الطعام والشراب والكلام.
قال السدي: كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام، كما يصوم عن الطعام، فلا يتكلم حتى يمسي.
وقيل: إن الله تعالى أمرها أن تقول هذا إشارة.
وقيل أمرها أن تقول هذا القدر نطقا، ثم تمسك عن الكلام بعده.
{فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} يقال: كانت تكلم الملائكة، ولا تكلم الإنس.


{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} قيل: إنها ولدته، ثم حملته في الحال إلى قومها.
وقال الكلبي: حمل يوسف النجار مريم وابنها عيسى عليهما السلام إلى غار، ومكثت أربعين يوما حتى طهرت من نفاسها ثم حملته مريم عليها السلام إلى قومها. فكلمها عيسى عليه السلام في الطريق فقال: يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا، وكانوا أهل بيت صالحين {قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} عظيما منكرا، قال أبو عبيدة: كل أمر فائق من عجب أو عمل فهو فري.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في عمر: «فلم أر عبقريا يفري فريه» أي: يعمل عمله. {يَا أُخْتَ هَارُونَ} يريد يا شبيهة هارون، قال قتادة وغيره: كان هارون رجلا صالحا عابدا في بني إسرائيل. روي أنه اتبع جنازته يوم مات أربعون ألفا كلهم يسمى هارون من بني إسرائيل سوى سائر الناس شبهوها به على معنى إنا ظننا أنك مثله في الصلاح. وليس المراد منه الأخوة في النسب، كما قال الله تعالى: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} [الإسراء:27] أي أشباههم.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى أخبرنا إبراهيم بن محمد بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا ابن إدريس عن أبيه عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمت نجران سألوني، فقالوا: إنكم تقرءون: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا! فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال: «إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم».
وقال الكلبي: كان هارون أخا مريم من أبيها، وكان أمثل رجل في بني إسرائيل.
وقال السدي: إنما عنوا به هارون أخا موسى، لأنها كانت من نسله كما يقال للتميمي: يا أخا تميم.
وقيل: كان هارون رجلا فاسقا في بني إسرائيل عظيم الفسق فشبهوها به.
{مَا كَانَ أَبُوكِ} عمران {امْرَأَ سَوْءٍ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: زانيا، {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ} حنة {بَغِيًّا} أي زانية، فمن أين لك هذا الولد؟

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8